من أنا

صورتي
المملكة العربيه السعوديه - المنطقه الشرقيه ARAAA84@HOTMAIL.COM

الجمعة، 13 مايو 2011

(( ابو كارولينا و الهندوسي و دين الإرهاب ))

(( ابو كارولينا و الهندوسي و دين الإرهاب ))
الحلقة الأخيرة من سلسلة صوت الضمير


(( أبو كارولينا ))

يا عقيل أسمع هذي القصة اللي صارت لي شخصياً :

في مكتب أحدى شركات الطيران الأمريكية في ولاية فلوريدا تواجدت أنا وصديقي أمام أحد موظفي ذلك المكتب .
سئلنا الموظف الكبير في العمر والذي شارف على ما يبدو من تجاوز الخمسين عام ,, سئلنا ذلك الموظف عن جنسيتي أنا وصديقي ؟؟
خشينا أن يكون هذا الشخص مثله مثل أغلبية المواطنين الأمريكيين الذين يمقتون العرب وخصوصاُ السعوديين أشد المقت ,, فا أجبته بتردد بأننا من أبناء المملكة العربية السعودية .

كانت ردة فعله معاكسة لردة الفعل التي توقعتها أنا وصديقي ,, لأن ذلك الموظف أبتسم حينها في محيانا ورحب بنا ,, وكانت السعادة تملئ محياه .

أخبرنا بأنه سعيد جداُ لمقابلة أشخاص من المملكة العربية السعودية ,, عندها أخبرناه بمدى استغرابنا لحجم تلك السعادة ,, وهل له أن يخبرنا عن سرها ,, أي عن سر تلك السعادة المكتظة بمحياه شديد البياض .
أخبرنا ذلك الموظف عن السبب ,, وسوف أقوم بأخبارك عنه يا عقيل ,, أسمع ما قاله لنا ذلك الرجل :

رزقني الله بابنة وحيدة وهي كارولينا ,, وتعبت في تربية تلك الفتاة لأنها أغلى ما كنت أملك ,, كبرت فتاتي وتعلمت في أفضل جامعات هذه الولاية ,, وبعد تخرجها لم تجد عمل مناسب في هذه الولاية ,, فقررت الاغتراب والسفر للعمل في بلدكم المملكة العربية السعودية ,, وذلك بعدما وصل إليها عرض مغري من أحد شركات النفط في بلادكم .
كانت متحمسة كثيراُ لخوض غمار تلك التجربة ,, بينما كان يراودني الشعور بالقلق حيال ذلك الأمر .
وفعلاً تحقق لها ما أرادت وذهبت للعمل في بلدكم .

بعد اغتراب دام أكثر من عامين في بلدكم عادت كارولينا إلى بلدها ,, وكان ذلك قبل ثلاثة اشهر من الآن ,, في أجازة لمدة شهرين .

أن الجسد كان جسد ابنتي كارولينا ,, ولكن الروح والتعامل وكل شيء آخر لا يمت لها بصلة .

استقبلتها في المطار وكانت تضع قطعة القماش على رأسها كما تفعل النسوة في بلدكم ,, وعندما طلبت منها أن تقوم بخلع تلك القطعة التي أخفت جمال شعرها ورقبتها ,, تعذرت بأنها اعتادت على هذا الأمر في بلدكم .

وتوالت الأمور التي زادت من استغرابي لما يحدث ,, وسوف أضرب لكم بعض الأمثلة :

عند دخولي للمنزل كانت تأتي للسلام علي وتقبيل يدي ورأسي ولا تعود للجلوس في مكانها إلا بعد جلوسي .
كانت لا تدعني ولا تسمح لي البتة أن أقوم بالطبخ أو غسيل الأوعية والملابس .
أقلعت عن التدخين ,, والأدهى والأمر هو إقلاعها عن شرب الكحول وأكل لحم الخنزير والذي كان وجبتها المفضلة .


بعد ملاحظتي لجميع ما سبق ,, قررت أن أعرف ما تخبئه عني ابنتي كارولينا .

في البداية حاولت أن تخفي ذلك الأمر عني ,, ولكن بعد إصراري وإلحاحي لمعرفة ذلك الأمر ,, أجابتني بأنها أصبحت مسلمة ‍!!!!

في البداية تمنيت واعتقدت بأنها تمزح ,, ولكن عندما رأيت خوفها وخشيتها من ردة فعلي أيقنت بأنها صادقه وجادة في ما تقول .

غضبت كثيراُ ,, وطلبت منها أن تعيد التفكير بشأن اعتناق ديانة الإرهابيين ,, ديانة المتخلفين ,, ديانة أسامة بن لادن ورفاقه .

أخبرتني بأنها اعتنقت تلك الديانة برغبتها ولن تبدلها بأي ديانة مهما حدث ,, وأضافت بأنني مثل أغلبية الأمريكان الذين يجهلون ديانة الإسلام ,, ولم يفكروا لو للحظة أن يعرفوا حقيقة تلك الديانة .
كان الغضب حينها يمنعني من التمعن في ما كانت تقوله ,, وطلبت منها الصمت وعدم التحدث عن دين الإرهاب بأي شكل من الأشكال .

مضت الأيام بشكل بطئ بتواجد تلك المسلمة في منزلي ,, أختلف كل شيء بيني وبينها بالنسبة لي ,, من حب وتعامل ,, ولكنها لا تزال ابنتي وفلذة كبدي .

ما شد انتباهي هو استمرار احترامها وتقديرها لي رغم أنني كنت لا أحادثها وأتظاهر بعدم اهتمامي بها في الأيام التي تلت معرفتي بأنها أصبحت مسلمه ,, بل على العكس كانت تتودد لي أكثر وأكثر وتهطل دموعها في بعض الأوقات رغبة مني في التخاطب معها .

كنت بداخلي أتألم لتلك الأحداث ,, ولكني لم أشاء استخدام الرفق واللين معها حتى تقرر العدول عن ديانة الإسلام .

قبل أسبوعين من الآن عادت كارولينا إلى دياركم ,, في يوم وداعها لم أتألم كثيراُ كما حدث في المرة الأولى عندما رحلت .

أذكر بأنني سألتها سؤال أخير في طريق الذهاب للمطار عن الذي جعلها تتغير وتعاملني بهذه المعاملة الجميلة ,, وهل كانت تبحث خلف هذه المعاملة عن رضائي وتقبلي على تغييرها لديانتها ؟؟
أجابتني بكل بساطة وقالت (( ما كنت أفعله هو جزء يسير من أوامر ديني الجديد ))
ضحكت كثيراُ وقلت لها بأنني غير مصدق بأن دين الوحشية والتخلف والرجعية توجد فيه مثل هذه الأمور .

في الليالي التي خلت بعد رحيل كارولينا ,, افتقدتها كثيراُ هذه المرة ,, اشتقت لوقوفها وقدومها لتقبيل يدي ورأسي عند دخولي للمنزل ,, اشتقت لرؤية السعادة على محياها وهي تؤدي صلواتها ,, اشتقت لمن كان يعتني بي ويعاملني معاملة الأمراء .. افتقدت كارولينا .

قبل أسابيع قليلة اقتنيت كتاباُ عن الإسلام ,, وبدأت أشعر بأنني ظلمت ابنتي كارولينا كثيراُ ,, وظلمت دين الإسلام أكثر وأكثر .

وأنا الآن سعيد لأنني متشوق للحديث معكم لاحقاُ عن دينكم ومعرفة أمور دينكم أكثر وأكثر ,, أتمنى أن أتواصل وألتقي بكم خارج العمل لأطرح عليكم بعض الأسئلة المتولدة في مخيلتي عن الإسلام .

هذا اللي قاله لنا أبو كارولينا .

تصدق يا عقيل أننا وعدناه أننا راح نرجع له مرة ثانية ولكننا ما رجعنا له ,, والحين بعد ما رجعنا للسعودية تندمنا أننا ما رحنا له لأنه كان قريب من الإسلام ويحتاج من يرشده بس .
ولا تسألني ليه ما رجعنا له مره ثانيه ,, لأننا ما كنا فاضين له وقتها وعندنا اختبارات وغيره .




(( الهندوسي ))

استقبال موظفين الشركة الأجانب والتنقل بهم في أوائل أيام تواجدهم في المملكة العربية السعودية هو من ضمن الأعمال المترتب علي القيام بها أثناء تواجدي في الشركة التي كانت أعمل لصالحها مسبقاُ .

في أحد الأيام ذهبت لاستقبال موظف جديد من الجنسية الهندية وكان يعمل مبرمج للحاسب الآلي .

ذهبت بذلك الموظف من المطار إلى الشركة ,, وبعدها كان يتوجب علي الذهاب به إلى الفندق الذي كان من المقرر أن يقيم فيه .

تعرفت عليه وعرفته عن نفسي ,, وعلمت منه أنه هندوسي الديانه .

على طريق الذهاب للفندق أخبرني ذلك الهندوسي بأنه يشعر بالجوع ,, وكان يطلب مني بلطف أن أبحث له عن مطعم للأكلات الهندية .
وفعلاُ تم ذلك واصطحبته إلى مطعم هندي ,, قام بطلب الوجبة التي يريدها ,, وعندما رأيته يقوم بسحب محفظته ,, قررت أن أدفع الحساب بالنيابة عنه ,, وتفاجأ كثيراُ لما فعلته .

على طريقنا للفندق كان يسألني عن الذي فعلته ولماذا فعلت ذلك ,, فا أجبته بأن ديننا يحثنا على إكرام الضيف ,, وبما هو ضيف فأن وجبة غداءه ستكون من حسابي .

أمضيت شهر كامل مع ذلك الهندوسي ,, أقوم بأخذه معي إلى العمل في الصباح ,, وإرجاعه من العمل عصراُ إلى الفندق الذي كان يقيم فيه .

في أحد المرات رأى امرأة تقوم بمد يدها للناس عند إحدى الإشارات ,, فدفعه حب الفضول لسؤالي لماذا يعطي السعوديين الأموال لتلك المرأة .

فا أجبته بأنه يوجد في ديننا ما يسمى بالصدقة والإحسان إلى الفقراء والمساكين ,, وبما أن أمثال هذه المرأة لا عائل لها ,, فيستحب على المقتدر التصدق لها .

قام بسؤالي مرة أخرى : لماذا لا تذهب هذه المرأة وتبحث عن العمل بدلاً من مد يدها للغرباء .

فا أخبرته بأن الفتيات المتعلمات لا يجدن وظائف ,, فما بالك بهذه المرأة الكبيرة بالسن ؟؟
بدأ وكأنه أقتنع بكلامي ,, وأضحى شارد الذهن طوال رحلة الطريق إلى الفندق الذي يقيم فيه .

للأمانة لم أكن حينها أفكر بأن أتصنع في أقوالي وأفعالي أمامه حتى أحببه في ديننا ,, ولكن جل ما في الأمر أنني كنت أتصرف على طبيعتي التي نشأت عليها .

بعد مضي أسبوعين من وصوله إلى مملكتنا ,, خبرني ذلك الهندوسي عن تفكيره بالدخول في دين الإسلام ,, وكان ذلك اليوم الذي حدث فيه هذا الأمر يصادف حينها ثالث أيام رمضان ما قبل الفائت .

ذهبت في ذلك المساء إلى مركز توعيات الجالية الإسلامية وطلبت منهم كتباُ لتفسير القرآن الكريم باللغة الهندية وقام الإخوة جزاهم الله خيراُ بإعطائي كتب أخرى عن الإسلام باللغة الهندية .

في صباح اليوم التالي قمت بإعطاء ذلك الهندوسي الكتب ,, وقام في البداية بسحب محفظته ليعطيني سعر تلك الكتب ,, فا أخبرته بأن تلك الكتب هديه مني له .

كنت سعيداُ جداُ وأنا أشاهده يقرأ تلك الكتب في طريق الذهاب والعودة من والى العمل .

وأذكر أنه في أحد الأيام طلب مني ماء زمزم ,, في طلب غريب لم أتوقعه البته من شخص هندوسي .

في الأسبوع الثالث أخبرني بأنه أخبر زوجته وعائلته برغبته في الإسلام فكان الرفض وبشدة هي ردة فعلهم .

وأضاف بأنه سوف يتمهل قبل أن يتخذ قرار مصيرياُ كهذا .

بعد الأسبوع الرابع قامت الشركة بنقل ذلك الموظف الهندوسي من فرع المنطقة الشرقية لفرع مدينة جدة ,, وانقطعت أخباره عني حتى هذه اللحظة .

لا أعلم أن كان ذلك الهندوسي أعلن إسلامه في مدينة جدة ,, ونفس الأمر لوالد كارولينا في مدينة فلوريدا .

ولكنني أدعوا الله وأتمنى أن تدعوا الله معي بأنهم أصبحوا أخوة لنا في الإسلام .

.................................................. .................................................. ....



(( لا تحقرن من المعروف شيئاً ))

ما دعاني لاختيار هذا الموضوع في نهاية هذه السلسلة هو ما قرأته في مقابلة لرجل أعمال أمريكي أسلم مؤخراُ وتحدث عن عدة أمور وكان من أبرزها بأن ما دعاه للإسلام هو المعاملة الحسنة والأجواء الإيمانية في المملكة العربية السعودية .

ولكن كان أبرز ما شهد انتباهي من تلك المقابلة هو ما قاله هنا :
وطالب رجال الأعمال السعوديين والمسلمين أن يتكفلوا بدعوة نظرائهم من رجال الأعمال الغربيين للإسلام، متهماً إياهم بالتكاسل عن دعوة أمثاله من رجال الأعمال، فحين تعقد الصفقات والمباحثات التجارية لا تقدم في نهاية اللقاء كتب تعريفية عن الدين الإسلامي على شكل هدايا، مؤكداً أنها لن تؤثر على سير الأعمال التجارية.

يا رب غفرانك وعفوك ,, أعلمتم الآن كم نحن مقصرين في أمر الدعوة لديننا ,, وأخص بالذكر هنا أخوتي وأخواتي المبعوثون للدراسة في الخارج .

وكأننا نسينا قولة تعالى في سورة فصلت : (( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )) .

وكأننا نسينا حديث الرسول علية الصلاة والسلام : "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم"


صدقوني يا أخوتي ويا أخواتي قد نكون سبباٌ في إسلام الغير حتى لو لم ندعهم للإسلام وذلك من خلال معاملتنا الحسنة للآخرين ,, وكذلك من خلال التقيد ب أوامر ديننا الحنيف ,, وعدم تشويه صورة الإسلام بقول أو فعل ,, لأن كل منا يعكس صورة الدين الذي نتبعه .

أنا سعيد جداُ با اعداد المتابعة لمدونتي من دول خارجية مثل أمريكا ,, كندا ,, الصين ,, اليابان ,, هولندا ,, بريطانيا ,, وغيرها من الدول الأخرى .

وجميع تلك الزيارات للمدونة هي من أبنائنا وبناتنا المبعوثون للخارج ,, لذلك وبهذه المناسبة احب أن أشكرهم على تواجدهم في مدونتي وثانياُ أرجوا منهم التركيز على ثلاث جوانب :
أولها عدم التقاعس أو التهاون عن الدعوة للإسلام ,, وثانيها أن يرسموا صورة جميلة لديننا في الخارج ,, وآخرها وليس آخراُ أن لا يحقرون من المعروف شيئاُ .

.................................................. ..............................................


في النهاية أدعوا الله أن أكون قد وفقت في طرح مواضيع هذه السلسلة .
ولا أخفي لكم تذمري من أمور صاحبتني أثناء طرح هذه السلسلة وأبرزها من الأشخاص الذين يعرفونني معرفة شخصية .. والذين يقومون بتحليل القصص والمواقف التي أذكرها ,, وتوزيع أدوارها على أقاربي ومعارفي وأصدقائي .
أنا لم أكتب موقف أو قصة عن شخص أو قريب أو صديق إلا بعد أخذ رأيه في الموضوع .
وأنا أعتذر لأبناء و لبنات القبيلة التي أنتمي لها عن أي خطاء بدر مني تجاههم .
وليتأكدوا بأنني لم أكتب حرفاُ واحداُ عن أي فتاة أعرف عائلتها ,, والقصة التي ذكرتها في بداية موضوعي (( ترضى أختك تكون ممرضة )) لم أكن أقصد بها أحد بعينه كما حدث وتم فهمي بشكل خاطئ .



أخيراُ أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .
على أمل اللقاء بكم في سلسلة جديدة إذا سمحت الظروف
.


الجمعة، 6 مايو 2011

(( مكرمه ملكيه با الغاء الدراسة + أنظر خلفك لو سمحت ))

(( مكرمه ملكيه با الغاء الدراسة + أنظر خلفك لو سمحت ))
الموضوع التاسع في سلسلة صوت الضمير






أنا خائف جداُ جداً جداُ ,, أتعلمون لأي درجة ؟؟ لدرجة أنني قد أفعلها وأتبول على نفسي أمام الجميع من شدة الخوف ,, والسبب يمكن في عدم حلي لواجبي المنزلي لمادة الرياضيات للصف الثاني ابتدائي .
فالذي كنا نواجهه من المدرس السوري الذي يدرسنا جميع المواد ليس بالهين علينا كأطفال .

كنا نتلقى تعليمنا منه بوحشية لا نظير لها ,, وأستطيع الحلف على أنه لو كنا نتلقى تعليمنا على يد مدرس يهودي الديانة لرحمنا أكثر من ذلك المدرس والذي كان يذكرني ب (( أمنا الغوله ))

طلب المدرس من الطلاب الذين لم يحلوا الواجب المنزلي أن يقفوا ,, وللأسف اكتشفت أنني من ضمنهم لإهمالي ونسياني .

وقفت وأنا أرتجف وأشعر بخوف لا يعلمه سوى الله .

أقترب المدرس من أول الطلاب الذين لم يحلوا الواجب وقام بضربه بالعصا بشكل جنوني ,, وكأنه يقوم بضرب رجل يساويه بعدد السنين .

بعد انتهاء المدرس من جلد أول ضحاياه والذي كان يبكي من شدة الألم ,, توجه نحوي وبدأت دموعي ب الانهيار على محياي ,, كمحاولة أخيرة لاستجداء الرحمة والشفقة من قلبه القاسي .

لم تكن تلك الدموع تعني لذلك المدرس أي شيء ,, وقف أمامي وسألني عن سبب عدم حلي للواجب المنزلي ,, فأجبته بكل برأه وضعف وخوف (( نسيت أحله يا أستاذ ))

ما أن سمع ذلك الرد مني حتى أشتط غضباُ وبداء بالصراخ بصوت عالي (( أنت كل يوم تنسى,, أنا راح أخليك ما تنسى ))

ثم قام بمسك رأسي الصغير وضربه بالطرف الحاد من زاوية الطاولة التي أمام طاولتي .

الحمدلله أنني لا أتذكر تفاصيل الألم الذي حل بي بعد تلك الضربة العنيفة , ولكن أتذكر بأنني بدأت بالبكاء بأعلى صوت لدي ,, وكان يشاركني البكاء زملائي الذين لم يحلوا الواجب خوفاُ من تعرضهم لنفس المصير الذي تعرضت له .

بكيت كثيراُ وتألمت أكثر ,, وبدأت جبهتي بالانتفاخ شيئاُ فشيئاً .

أيقن مدرس المادة حينها بأن وضعه في خطر ,, وبإن مكروه ما سوف يحل به بقدر المكروه الذي تراه عيناه المرعوبتان .

أسرع تحول في التاريخ كان تحول مدرس المادة من الشعور بالقوة والهيمنة والوحشية ,, إلى الشعور بالضعف والخوف والمصير الأسود المجهول في حال معرفة أدارة المدرسة وكذلك والدي بما قد حل بي .

تحول ذلك المدرس من مدرس إلى ممرض والى مسعف ,, اصطحبني لدورة المياه أعزكم الله ,, وقام بتغسيل محياي وتلك الضربة تحديداُ ,, وخاف عندها من انكشاف أمره فعاد سريعاُ بي الصف مرة أخرى .

مع مرور الوقت يقل الألم وتقل نسبة البكاء لدي ,, وتزيد نسبة انتفاخ الجبهة .

لم يكمل المدرس حينها معاقبته للطلبة الذين لم يحلوا الواجب ,, بل على العكس طلب منهم حل الواجب في الصف سريعاُ وأخبرنا بأنه من يحل الواجب له ((ريال)) في ردة فعل غريبة من المدرس ,, أثارت اندهاش جميع الطلبة .

بعد انتهائي من حل الواجب ,, ذهبت إلى المدرس وأعطيته الدفتر ثم قال (( ما شاء الله على عقيل أشطر طالب حل الواجب ,, وعشان هيك راح أعطيه هو بالذات عشر ريال ))

ولم يتوقف عند ذلك الحد من محاولة إرضائي ,, بل كأن يسألني قبل أن يقوم أعطاء الطالب الذي لم يحل الواجب الريال (( هاه عقيل شو رأيك بفلان ؟؟ أعطيه ريال والا لا ))

ولا أنسى تغزله بي في ذلك اليوم (( يا عيني على الأسمر الحلو الهادئ والشاطر ))

انتهت الحصة الثالثة وانتهى معها كل شيء ما عادا علامة الانتفاخ التي رسمت على اعلي محياي .
غادر جميع الطلبة الصف ,, وقبل خروجي من الصف ممتلئ الجيب بالمال ,, ناداني مدرسنا طالباُ مني البقاء حتى مغادرة جميع الطلاب .

بعد مغادرة جميع الطلاب طلب مني مدرس المادة أن أقوم با إحضار حقيبتي المدرسية ,, وقام بعد ذلك بتفريغها من الكتب وقام بفتح دولابه الذي كان يجمع فيه جميع الألعاب التي كنا نحضرها للمدرسة ,, ويتم مصادرتها من قبله.

فتح ذلك الدولاب ,, ثم قام بتفريغ جميع ما يحتويه الدولاب من ألعاب في داخل حقيبتي ,, ووضع جميع كتبي في حقيبة كان يحتفظ بها في دولابه .

بعد ذلك قام بسؤالي : عقيل لو سألك أبوك مين ضربك على رأسك شو بدك تقول له ؟؟
قلت بكل برأه : راح أقوله أنك ضربتني لأني ما حليت الواجب .
قال حينها وهو مذعور : لا ما تخبره هيك ,, بدك تخرب بيتي ,, أذا سألك خبره أن حدا من زملائك دفشك الصباح وطحت على الأرض وحصل فيك هيك .
قلت : طيب لو سألني من الطالب ايش أقوله ؟
قال : صح معاك حق ,, تدري أذا سألك قول له أنك كنت تركض وفجأة وقعت على الأرض وحصل فيك هيك .
قلت له : خلاص يا استاذ بقول له اني طحت على الأرض .

قبل أن يسمح لي بالمغادرة قام بأ إعطائي مبلغ خمس ريالات ,, ثم فعل ما هو أعظم شيء ممكن أن يعوضني ما حدث ذلك الصباح ,, بعد أن وعدني بأنني سوف أنجح وأنتقل للصف الثالث الابتدائي ,, على الرغم من أنني لا أستحق ذلك على حد زعمه .

بالنسبة لي كنت راضياُ عن محاولات إرضاءه ,, وقررت بداخلي أن لا أوقعه في مشاكل ,, خصوصاُ بعد عطاياه لي ,, ووعده لي بضمان النجاح ,, وكذلك وعده لي بأنه لن يقوم بلمسي من ذلك الوقت وصاعداُ حتى لو لم أحل الواجب .

ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان ,, وذلك بعد ذهاب صديقي الواشي محمد لأخي حمود والذي كان يدرس في الصف الثالث وأخباره بجميع ما حدث في صفنا ذلك الصباح .

ماهي الا دقائق حتى قدم الي شقيقي حمود والغضب يتملكه من الذي سمعه ,, ولا أنسى محياه حتى هذه أللحظه عندما تفاجأ بمشاهدة الانتفاخ الكبير على جبهتي ,, وعند قيامة بسؤالي عن صحة ما اخبره صديقي محمد ,, قمت على الفور بالإنكار وبشدة .

وعند سؤاله عن كيفية حصولي على النقود التي في مخبئتي العليا ,, أخبرته بأن المدرس أعطاني تلك النقود لأنني حللت الواجب بشكل ممتاز .

ولأن شقيقي حمود لم يصدق الذي سمعه مني ,, قام في طريق العودة من المدرسة للمنزل با إخبار والدي عن الذي سمعه من صديقي محمد والذي جعل جبهتي تبدو هكذا .

أنزعج والدي من الذي سمعه من شقيقي وقال (( مستحيل المدرس يسوي كذا بعقيل ,, عقيل يقول أنه طاح وهو يركض صح والا لا يا عقيل ))

قلت لأبي وأنا مرتبك (( صح يا ابوي أنا طحت ,, والمدرس ما ضربني ,, بس صديقي محمد يكذب على حمود ))

بعد مضي شهر على ما حدث بالأعلى ,, انتهت الدراسة ,, وذهبت برفقة والدي وشقيقي الأصغر حسين ل استلام نتائجنا ,, وكان معنا احد أصدقاء الوالد .

كان تسليم الشهادات مساء ,, بعد وصولنا للمدرسة ,, ذهب والدي الى صف شقيقي الأصغر حسين ليستلم شهادته ,, ولكن المدرس الذي كان يدرس شقيقي حسين رفض أن يقوم بتسليم والدي الشهادة حتى يجلب جميع الكتب ,, و كان النظام ذلك الوقت يجبرنا على إعادتها للمدرسة في نهاية كل عام .

انزعج والدي كثيراُ من الذي سمعه من مدرس شقيقي حسين ,, وكان يكمن سبب انزعاجه لأن منزلنا بعيد عن المدرسة ,, وثانياُ لأنني أنا الآخر لم أجلب معي جميع كتبي المدرسية .

قرر والدي العودة للمنزل لإحضار الكتب قبل مغادرة المدرسين للمدرسة .

أثناء مغادرتنا ووقت مرورنا بالصف الذي كنت ادرس فيه سمعت صوت المدرس السوري يناديني ,, عدت إليه وبرفقتي والدي وشقيقي وصديق والدي .

قام مدرسي بالترحيب بوالدي بحرارة ,, ثم سأله باندهاش عن سبب عدم مجيئه لاستلام شهادتي ؟؟
فا أجابه والدي بأننا لم نحضر الكتب معنا ,, لذلك هو عائد إلى المنزل حتى يحضرها .

أبتسم المدرس وقال باللهجة السعودية (( لا ما عليك يا رجال ,, الحين تستلم شهادة عقيل ,, وابي أروح أجيب شهادة أبنك حسين بعد من المدرس اللي يدرسه ))

وفعلاُ ذهب مدرسي على عجل إلى صف شقيقي حسين ,, وما هي إلا لحظات حتى عاد وبيده شهادة شقيقي ,, في موقف أثار استغراب والدي كثيرا .

على طريق العودة للمنزل كأن والدي لا يزال يسأل محتاراُ عن السبب الذي جعل مدرسي يقوم بإعطائه شهادتي وإحضار شهادة شقيقي حسين ,, رغم أنه شاهد العديد من أولياء أمور الطلاب يغادرون المدرسة بدون شهادات أبنائهم بسب عدم إحضارهم لجميع الكتب .

لم أسمح للحيرة أن تحتل جميع فؤاد والدي ,, فقلت له والخجل يتملكني (( شوف يا يبه بقول لك الحقيقه ,, المدرس هذا ضربني على جبهتي لأني ما حليت الواجب ,, وقال لي لا تعلم أبوك عشان ما اسبب له مشكله ,, وعطاني فلوس والعاب يومها ,, ووعدني أنه يخليني أنجح رغم أني ما أستحق ))

ضحك والدي وصديقه كثيراُ ثم قال (( اهب يالهيس تكذب علي ,, وخليتني أصدقك وأكذب أخوك حمود ,, يا ويلك لو تكذب علي مره ثانيه ))


تذكرت هذه القصة في مساء الأمس بعد التقائي بطفل من معارفنا ,, وعند سؤالي له عن تحصيله العلمي أخبرني بأنه ليس جيداُ وليس ضعيفاُ .
اندهشت من أجابته فسألته لماذا لا يطمح لكي يكون ممتازاُ ,, فا أجابني بأن يكره المدرسة كثيراُ ويتمنى زوالها .

سألته عن ما إذا كان مدرسه في المدرسة يقوم بتوبيخه بشكل قاسي كما تعرضت له قبل نحو عشرين عاماُ فأخبرني بأنه لم يتعرض للعقاب في المدرسة لأنه ممنوع أصلاُ .

اسئله تراودني منذ فترة :

ماذا يريد أبنائنا وبناتنا الطلاب والطالبات أكثر ؟؟
ألا يكفيهم بأن وزارة المعارف منعت استخدام العصا في المدارس ؟؟
ألا يكفيهم بأن ثلثي العام الدراسي ذهب أجازه ومكرمات ملكيه ؟؟ والثلث الأخير نصفه دراسة ونصفه غياب وهروب من المدارس ؟؟
ألا يكفيهم بأنهم يتلقون تعليمهم مجاناُ وفي مدارس نظيفة و مهيأة للدراسة ؟؟



هل سمع أحدهم بالجملة التي سمعتها في أول يوم تطأ قدمي فيه للمدرسة (( لك الجلد ولنا العظم )) والتي قالها أحد أولياء أمور الطلاب لمدرسنا في الصف الأول ابتدائي .

أي جيل نتوقع منه مستقبل أفضل وهو يمسك جهازه البلاك بيري أكثر من مسكه لكتبه المدرسية !!؟؟

أي جيل نتوقع منه الأفضل وهو لو تسأل أحد أبناءه عن جدول الضرب لتلعثم ,, ولو سألته عن اختصارات الجمل في جهاز البلاك بيري لا أصبح بيل غيتس أمامك في لحظات .

في اليابان يذهب الطالب للمدرسة صباحاُ ويعود إلى عائلته عصراً ,, ورأسه مليئة بالمعلومات .
وفي بلدنا يذهب الطالب للمدرسة ((هذا لو كان يذهب)) يذهب صباحاُ ويعود ظهراُ و راسه يحمل نفس كمية الجهل الذي كانت موجودة صباحاُ .

صحيح أن الذين سبقونا من الإباء والأمهات حالياُ تلقوا تعليمهم بشكل مبسط للغاية ,, وبأسلوب قاسي في التعامل مثل الذي تعرضت له وأكثر ,, وصحيح أن في وقتهم لم تكن وسائل التعليم ألحديثه متوفرة لديهم ,, إلا أنني أعتقد بأنهم استفادوا تعليمياُ أكثر من أبناء جيلي ومن أبناء هذا الجيل ,, والسبب يمكن في وجهة نظري المتواضعة في أنهم ذهبوا للعلم بإرادتهم وليس رغماُ عنهم ,, لأن تلقي العلم لأجدادنا لم يكن بذلك الشيء المثير والمهم في حياة أبنائهم بقدر ما يهمهم أن يتعلم أبنائهم حرفة أو مهنه كانوا يستخرجون منها رزقهم .

يجب على وزارة التعليم أيجاد حلول سريعة وجذريه لمشكلة عدم رغبة طلاب هذا الجيل بالتعليم ,, وعند الأجانب الذين يتفوقون علينا في هذا الجانب الحل الذي ربما يصعب علينا اكتشافه .

لا مانع من طلب الاستشارة من اليابانيين والصينيين والأمريكان لمعرفة الطرق التي من الممكن أن تجعل الطالب يرغب بالدراسة ويحب العلم ويرغب بالتعلم .
يجب أن نشرح لأبنائنا أهمية العلم والتعلم ,, قبل أن نطلب منهم التعلم ,, ويجب أن يعوا أن الطالب الذي لا يرغب في التعلم هو مثل (( الثور الذي يغبر على قرنه )) وأعذروني على التشبيه .




(( أنظر خلفك لو سمحت ))

الموقف الأول :
بالأمس وفي كورنيش الخبر ,, كان هنالك رجلاُ كبيراُ بالسن منزعج من القذارة والنفايات الملقاة على الأرض ,, وكان يلوم الأشخاص الذين تركوا خلفهم تلك النفايات ,, والتي لا تدعه يجلس مع عائلته على الأرض لتناول وجبة العشاء .
ذهب نفس الرجل وتتبعه عائلته إلى منطقه خاليه تقريباُ من النفايات والمهملات والوجبات الملقاة على الأرض .
افترشوا الأرض ,, تناولوا وجبة عشائهم ,, غادروا المنطقة التي كانوا يجلسون فيها ,, وتركوا خلفهم فضلات عشائهم ,, على الرغم من أن سلة المهملات لم تكن تبعد عنهم أكثر من عشرين متر .

الموقف الثاني :
في أحد مساجد مدينة الدمام ,, كنت متواجداُ في دورة المياه أعزكم الله للوضوء لصلاة العشاء .
للأسف لا يوجد العديد من دورات المياه ,, وتوجد دورة مياه واحده فقط ,, وكان يتواجد فيها شخص ما .
انتظرته لمدة خمس دقائق ,, وبعد خروجه من دورة المياه ,, ذهبت للدخول خلفه بشكل سريع حتى اتوضاء قبل بدء الصلاة .
رأيت حينها منظراٌ مقززاُ للغاية ,, منعني ذلك المنظر من الدخول لتلك الدورة ,, وذهبت خلف الشخص الذي كان متواجداُ في ألدوره قبلي ,, والذي كان يهم بتعليق شماغه حتى يكمل وضوءه .

طلبت منه بكل أدب أن يعود لدورة المياه وينظفها ,, لأن تلك القذارة له ويجب عليه أن يجعل المكان نظيفاُ مثل ما كان قبل استخدامه .
أبتسم بوجهي بسخرية ثم قال (( ههههه ,, من جدك أنت تبيني أدخل الدوره أنظفها لك ؟؟ وإذا كانت القذاره اللي في الحمام لي أنا ماني مجبر أني أنظر وراي وأنظف الدوره لسعادة جنابك ))

قلت له وأنا أهم في مغادرة المكان قاصداُ العودة للمنزل ل أداء الصلاة فيه (( لو أحد دخل دورة المياه في بيتكم وسوا فيها مثل ما سويت في دورة المياه هنا كان أنت زعلت وتضايقت ,, هذا وهي دورة مياه بيتكم اللي تستخدمها أنت وأهلك بس ,, فما بالك في دورة المياه اللي يقصدها الجميع ))


لا أريد الخوض أكثر في هذا الموضوع ,, لأن الأخ أحمد الشقيري تكلم بما فيه الكفاية عن هذه الموضوع ,, وطلبي الوحيد منكم أن تجعلوا الأماكن التي تستخدمونها أفضل وأرتب من قبل استخدامكم وتواجدكم فيها .

علموا أبنائكم وصغاركم بأن يتلفتوا خلفهم قبل مغادرتهم غرف نومهم ,, وأن ينظروا خلفهم في دورة المياه أعزكم الله التي يستخدمونها ,, وأن ينظروا خلفهم في أي مكان يذهبون للتنزه فيه .

الحال جداُ مزري ,, ومن يريد الدليل عليه أن يذهب للتنزه في الأماكن العامة ,, ليرى ما يشيب له الرأس ,, ومن أراد دليل آخر عليه أن يذهب ليستخدم دورة مياه أعزكم الله وهو في قمة (( الزنقة )) في إحدى دورات المياه التي تتواجد بداخل محطات طرق السفر ,, أو دورات المياه في الجامعات أو المدارس أو المتنزهات .




أخواني المبتعثين في الخارج أحسدكم على ألنعمه التي أنتم فيها ,, وأدعي الله أن يغير حالنا لما هو أفضل .

آسف للإطالة ..

السبت، 30 أبريل 2011

(( أنا أحبك يا إبراهيم ))

(( أنا أحبك يا إبراهيم ))
سلسلة صوت الضمير ,,,

بلد جديد ,, عادات جديدة ,, مجتمع جديد ,, هذا ما كان يشغل بالي وأنا في طريقي جواً قاصداُ البلاد الذي تقع في وسط الصحراء وتسمى بالمملكة العربية السعودية ,, وتاركاُ خلفي ألدوله التي قضيت فيها ما يقارب ستة عشر عاماُ وهي ألدوله ألمعروفه بالأقوى عالمياُ ألمسماه بالولايات المتحدة الأمريكية .

هجرت أمريكا بعد أن أخبرتني والدتي بأنها لم تعد تستطع تربيتي والاهتمام بي كالسابق ,, وأنها سوف تحاول بدء حياتها من جديد مع صديقها الجديد ,, لذلك علي المغادرة إلى الصحراء التي يعيش فيها والدي السعودي الذي كان يدرس في أمريكا قبل نحو عشرين عاماُ وخلال تلك الفترة تزوج والدتي ولم يمضي معها أكثر من خمس سنين وعندها عاد إلى الصحراء بعد أن قام بتطليق والدتي .

كانت الحياة في السعودية بعد وصولي إليها قادماُ من الولايات المتحدة صعبه للغاية ,, وخصوصاً العادات الغريبة التي أنا مجبر على التأقلم معها وتطبيقها من ذلك الوقت وصاعداُ .

لم أستطع التأقلم بشكل كبير مع أبناء الحي والأقارب ويعود السبب لاختلاف اللغة بيني وبينهم ,, وكنت أحتاج لمزيد من الوقت لتعلم لغتهم .

ولأن والدي لم يكن مهتماُ لوجودي ,, أستكثر علي الالتحاق بمدرسة لتدريس الطلبة الأجانب ,, وتعذر بان مسافة المدرسة الأجنبيه بعيده جداُ عن منزلنا ,, وكان عذره الآخر بأنه يريدني أن أتعلم اللغة العربية في أسرع وقت ممكن ,, وذلك بعد قيامه بتسجيلي في إحدى المدارس الحكومية .

انتهت الأجازة الرسمية في هذه البلاد وأنا لم أتعلم خلال تواجدي خلال الشهرين الماضيين الذين مضوا على تواجدي في هذا البلد سوء كلمات قليله جداُ ,, لا تتعدى ما أسمك ,, وكم عمرك ,, ونعم ولا .

في اليوم الأول في المدرسة وفي صفوف الصف الثالث متوسط تحديداٌ في إحدى مدارس مدينة الخبر ,, كنت متواجداٌ وقابعاُ في ركن ذلك الصف .

كان معلم مادة الانجليزي هو مترجمي في اليوم الأول ,, وكان مستاء جداُ من فعلة أبي بقيامه في تسجيلي في هذه المدرسه ,, لأنه قراراه كان غير صائباُ بتاتاُ البته .

فتواجدي بتلك المدرسة لا يعد كونه أكثر من تضييع وقتي .

في الحصة الأولى لمادة الانجليزي والتي كانت مفضله لدي لأنها كانت مادة اللغة التي أعرفها والتي أتحدثها منذ الصغر ,, في تلك الحصة تحدث مدرس المادة لزملائي الطلاب عني وشرح لهم ظروفي وطلب منهم مساعدتي على تعلم اللغة العربية .

سعدت كثيراُ لما قام به مدرس المادة ,, لأنه سوف يقيني تلك النظرات المنبعثه با اندهاش تجاهي من قبل جميع الطلاب .

بعد انتهاء زمن حصة مادة الأنجليزي وخروج معلم المادة من الصف ,, تفاجئت بقدوم طالب قبيح المحيا برفقة اثنين من أصدقاءه با اتجاهي ,, وقال بعد وقوفه أمامي كلاماُ لم أفهمه ,, وكان ذلك الكلام محل ضحك وسعادة لباقي طلاب الصف والذين كانوا ينظرون الي ويضحكون من تلك الكلمات التي كان يرددها صاحب المحيا البشع .

كان يتفوه بكلام كثير و انا لا اعلم ماذا يريد وكنت أردد كل حين كلمة ((WHAT ??))
وأيضاُ كنت أردد هذه الجمله ((Sorry,, I can't understand what you said ))

حينها تفوه ذلك المراهق بكلمات باللغة الانجليزية ولو أن نطقه لتلك الكلمات غير سليم وصحيح ولكني فهمت ما يود قوله وكانت تلك الكلمات هي ((FU*K YOU))

رددت عليه با ابتسامه وضحكه ساخرة زرعت على محياي ,, محياي البائس والذي تلقى صفعه من ذلك المراهق الذي أزعجته ابتسامتي كثيراُ .

كانت تلك ألصفعه هي أول صفعه يتلقاها محياي منذ أن خرجت للحياة من رحم والدتي .

لم أتمالك نفسي وحاولت أن أرد أعتباري ولكن هيهات ,, ألتم حولي ثلاثة من أصدقاء ذلك المراهق الشرير وطرحوني أرضاُ وأوسعوني ضرباُ .

عدت حينها للمنزل والدموع على محياي من غضبي وقهري على ما تعرضت له في صباح ذلك اليوم .

لم أشاء أن أخبر والدي ,, لأنه رجل عصبي جداُ ,, وأي كلمه بسيطة قد تخرجه من هدوءه وتجعله شيطاناُ غاضب .

حاولت أن أتناسى ما حدث في ذلك الصباح واستطعت تناسي بعض ما حدث ,, لاعتقادي وأملي بأن غداُ سوف يكون يوم أفضل في تلك المدرسة وذلك الصف .

في اليوم التالي والموافق ليوم الأحد ,, وفي ذلك الصف تحديداُ ,, كان يقف أمامي المراهق صاحب الوجه البشع مرة أخرى ,, وكان يردد على مسامعي نفس الكلمات القذرة التي سمعتها في صباح الأمس ,, وعندما رأى بأنني متجاهلاُ وجوده أمامي حاول لمسي في مكان حساس ,, وعندما أبعدت يده عن جسدي قام بالبصق على محياي وقام بصفعي مرة أخرى ,, صفعه لا تقل عنفاُ وقوة عن صفعة الأمس .

قررت حينها الذهاب لمدير المدرسة ,, وقفت أمامه وتحدثت وأنا غاضب وأخبرته بما يجري ولكنه على ما يبدو لم يفهم ما الذي كنت أقوله ,, وطلب مني بلغته المكسره و الضعيفه أن أعود للصف .

عدت للصف مرة أخرى ,, والتزمت مقعدي والغضب يتملكني عند رؤيتي لذلك المراهق وهو يبتسم سعيداُ بما فعله بي دون أن ينال عقاب .

انتهى ذلك اليوم وعدت مرة أخرى للمنزل وسيناريو يوم السبت يتكرر في غضبي وحنقي على ما حدث لي .

في اليوم التالي الموافق ليوم الاثنين ,, كل شيء كما هو في اليومين السابقين ,, ما عادا تواجد شابين لم أراهما في اليومين السابقين ,, وكان أحد الشابين ضخم البنية الجسمانية ولونه داكن وقريب للبشرة السمراء ,, كان ذلك الشاب يسأل زملائه عني ,, ذلك الذي اعتقدته عندما رأيته يشير با إصبعه السبابه تجاهي ويستمع لما يقوله زميله با اهتمام .

ما هي إلا لحظات حتى رأيت ذلك الشاب يعود للخلف ويسير با اتجاهي حاملاُ بيده جميع كتبه ,, ووضع كتبه على الطاولة المجاورة لطاولتي وكأنها محاولة لأخباري بأنه سوف يجلس بجانبي ,, وقام بعدها بمد يده لمصافحتي .

مددت يدي وصافحته ,, وما هي إلا لحظات قدم حينها صديقه الآخر وقام بالسلام علي .

عرفني عن نفسه بلغته الجيدة وأنه يدعى با إبراهيم ,, وأخبرني أنه كان متواجداُ في أمريكا مع عائلته في ولاية فلوريدا قبل ما يقارب ثلاث سنوات وذلك في رحلة دراسة وتدريب لوالده الرجل العسكري .
سعدت كثيراُ عندما علمت أنه قد زار أمريكا وأنه يتكلم اللغة الأنجليزيه بشكل جيد .

سألني بعدها عن صحة الأخبار التي سمعها عن قيام المراهق ذو المحيا البشع والمسمى بناصر بالقيام بصفعي وإهانتي خلال اليومين الماضيين ,, فقمت با إخباره بجميع ما حدث معي من ذلك الشاب الحقير .

أخبرني حينها بأنه سينتقم لي با اقرب فرصه ,, وبأنه لن يدع مكروهاُ يصيبني طالما هو موجود .

ما هي إلا دقائق حتى جاء وقت التطبيق ,, وقت الانتقام ,, أقترب مني المراهق ناصر وهو يبتسم ,, ثم قام بترديد جملته القذرة باللغة الأنجليزيه ,, حينها قام إبراهيم بالتحدث معه بشكل قوي وصارم وبدء لي بأنه يوبخ ناصر على تلك الكلمات التي يرددها على مسامعي .

أشتد النقاش بينهما ,, ثم اقترب مني ناصر في محاولة لكسر تهديدات إبراهيم ,, ورفع يده للأعلى قاصداً إنزالها بشكل سريع وكالمعتاد على محياي ولكنها لم تنزل هذه المرة ,, لأن إبراهيم كان يمسك بتلك اليد القذرة ,, ثم قام بثنيها ,, والحق تلك الثنية بضرب ناصر على قدمه حتى سقط أرضا ,, ثم طلب مني الاقتراب واخذي بثأري من ناصر .

لم أتردد حينها في مسألة الأنتقام ولو لثانيه ,, جثوت على ركبتي وكنت أرى محيا ناصر ك محيا حظي السيئ ولكل شيء أكرهه في حياتي ,, وقمت بتوجيه اللكمة تتلوها اللكمة حتى كسرت إحدى أسنانه ,, ولوث دم ناصر الفاسد يدي وملابسي .

و ما هي إلا لحظات حتى كنا نقف أمام مدير المدرسة أنا وإبراهيم ,, بينما كان يتواجد ناصر في سيارة احد مدرسين المدرسة وذلك استعدادا لنقله إلى المستشفى لتلقي العلاج .

بعد مرور دقائق كان والدي ووالد إبراهيم متواجدين في المدرسة ,, و تم توبيخي أنا وإبراهيم بشكل قاسي كما علمت لاحقاُ من صديقي إبراهيم بعد ترجمته لي الكلام الذي تفوه به المدير وتفوه به والدي الغاضب والغاضب جداُ على فعلتي .

تركت توقيعي على صفحة التعهد الأول في تلك المدرسة ,, وفعل صديقي إبراهيم نفس الأمر ,, وسط ابتسامات مني ومن إبراهيم ومن والد إبراهيم الذي كان سعيداُ وفخوراُ بما فعله أبنه تجاهي من مساعدة .

أحببت إبراهيم كثيراُ ,, وأحببت والده أيضاُ والذي كان يتحدث معي في طريق العودة إلى المنزل عن الاحتراس من المراهقين والشباب الغير سويين ,, وأضاف بأن الضعيف في هذا المجتمع ليس له حقوق ,, والوضع يختلف كلياُ عن أمريكا ومجتمعها .

منذ ذلك اليوم بدء إبراهيم بتلقيني وتعليمي اللغة العربية ,, وبدء بتعليمي الكلمات البذيئة أولاُ حتى لا يتم التلفظ علي دون أن أشعر أو أن أعلم .

كان إبراهيم أخي الذي لم تلده أمي ,, والإنسان الذي بدأت أحب هذه البلد من أجله ,, وقمت برفقته بالعديد من المغامرات والتي لا انساها حتى هذه أللحظه .

مرت الأيام برفقة إبراهيم بشكل سريع ,, وأتت إجازة منتصف ألسنه والمقدرة بشهر رمضان بالكامل ويتبعها سبعة أيام من عيد الفطر السعيد .
في تلك الأجازة أنقطت الأخبار عن صديقي إبراهيم والذي أخبرني قبل رمضان بأنه ذاهب لقضاء الأجازة برفقة عائلته في مدينة جده عند أجداده وأقاربه .
الأيام كانت تمر بشكل بطئ جداُ ,, أو لا تكاد تمر بالنسبة لي .

بعد معاناة وصبر انتهى شهر الصوم وانتهت أجازة العيد ,, وعادت المدارس من جديد .

من شدة حبي ل إبراهيم لا أكاد أنسى صباح أول يوم عودة لدراسة النصف الثاني ,, والذي كنت أركض فيه با اتجاه المدرسة بحثاً عن أخي وصديقي إبراهيم .

للأسف لم أجد إبراهيم في الصف ,, واعتقدت بأن أمر ما تسبب في تأخيره ,, ولكن لم يهدا لي بال ولم يفارقني القلق حينها , ولا أعلم ما الذي يجعلني أشعر بأن مكروهاُ قد وقع لا إبراهيم .

بعد مرور دقائق طل علينا صديق و جار إبراهيم وصديقنا الثالث والمسمى ب عبدالله .

كان محيا عبدا لله لا يدعو للفرح أطلاقاُ ,, وذلك ما دعاني لأن أترك مكاني في الصف وأذهب إلى عبدالله وأسأله عن إبراهيم ,, وكان جواب عبدالله مغلف بحزن لم أشهده في حياتي عندما قال والدمعة معلقه على نافذة عينه (( إبراهيم وعائلته توفوا في حادث قبل ثلاث أيام على طريق الرجعة من جدة ))



كرهت جدة ,, كرهت السعودية ,, كرهت السفر ,, كرهت الفقد لأنه أتعبني وأضناني ,, كرهت نفسي ولمتها كثيراُ ,, أتعلمون لماذا ؟؟
لأنني لم أبين أو أخبر صديقي إبراهيم بأنني أحبه أكثر من والدي ووالدتي والناس أجمعين .

هل أنا معتوه إلى هذه ألدرجه التي تجعلني أرافق صديقاُ لن أجد له مثيل لو اجتمعت الأنس والجن على أيجاد بديل ومثيل له ,, معتوه لأنني لم أقل له ولو لمرة (( أنا أحبك يا إبراهيم ))

منذ ذلك الوقت قطعت عهداُ على نفسي با أن أخبر جميع من يرتاح لهم فؤادي بأنني أحبهم ,, حتى إذا أجبرني الفقد على استضافته في احد الأيام لن أكون حزين وتعيس جداُ ,, لأنني وقتها سوف أتذكر محيا ذلك الشخص عندما أخبرته بأنني أحبه .
يستطيع الآن من أخبرته منكم بأنني أحبه أن يغادر دنياي مأسوف عليه ,, وليعلم بأنني سوف أبكيه كثيراُ فقط ,, ولن أبكيه كثيراُ وأعاتب نفسي أكثر بأنني لم أخبره بمعزته وقدره في قلبي .

على كل شخصاً منا يعتقد بأنه يملك أصدقاء حقيقيون ,, وبمثابة الأخوة ,, أن يحمد ربه كثيراُ على تلك ألنعمه والتي حرم منها الكثيرون على هذه الدنيا .
ونفس الأمر بالنسبة لمن يمتلك عائلة رائعة وأب وأم وأخوة وأقارب رائعون .

أخبرني احد أصدقائي قصة ذلك الشاب السعودي الأمريكي التي قرأتموها في الأعلى قبل ما يقارب ثمانية سنوات أو أكثر ,, وأستطاع أن يبلغني الحرقة التي اكتوت قلب ذلك الشاب لأنه لم يخبر ولم يبين لصديقة إبراهيم حبه ومعزته لديه .
ولا أتمنى أن يحدث لقلوبكم الصامتة مثلما حدث للقلب الصامت لذلك الشاب .
أخبروا وبلغوا من تحب وتهوى قلوبكم بذلك الحب قبل أن يطرق أبوابكم الفقد .
وحافظوا على أصدقائكم الحقيقيين والذين يتواجدون معكم بالأتراح أقوى وأكثر من تواجدهم معكم بالأفراح والليالي الملاح .

قبل الختام أحب أن أقول لكم بأنني أحبكم ,, ولذلك سهرت هذه ألليله وأنا متعب للكتابة من أجلكم ,, وبأذن الله سا ابقي دائماُ وأبداُ عند حسن ظنكم بي .

الجمعة، 22 أبريل 2011

(( جيراننا ما عندهم خبز ولا حتى طماطم ,, أمحق جيران ))


(( جيراننا ما عندهم خبز ولا حتى طماطم ,, أمحق جيران ))
الموضوع السابع في سلسلتي الأسبوعيه (( صوت الضمير ))



في إحدى أيام نهاية الأسبوع ,, اليوم الذي يكون موعداُ للسهر ولأجتماع الأصدقاء فيه ,, كان جميع الأصدقاء متواجدين بإستثناء صديقنا محمد ,, والذي ليس من عاداته أن يتأخر أو يتغيب عن موعدنا الأسبوعي .
بعد مرور قرابة الساعه على أجتماعنا وصل صديقنا محمد ,, ولا تكمن الغرابه في وصوله المتأخر بقدر ما كانت تكمن في تعابير الحنق والغضب التي كانت تملئ محياه .

بعد القيام والسلام على صديقنا محمد والعودة لوضعية الجلوس ,, قمت بسؤال صديقنا محمد عن السبب الذي جعله يتأخر في هذا المساء ,, وأخبرته بأن السبب يبدو غير حميد لأن تعابير محياه لا تبشر بالأمور الجيده مطلقاً .

أطلق صديقنا محمد تنهيده قويه ولأول مره أسمع محمد يطلق مثل تلك التنهيده المكسوه بموضوع يؤلم فؤاد صديقنا محمد الذي قال (( اااه وش أقولك بس يا عقيل ,, جارنا ما خلى فيها جيره ولا أحترام ))

علامة الدهشه كانت متواجده على محيا الجميع وليس على محياي فقط ,, والتي جعلتني أسئل محمد حينها هذا السؤال (( عسى ما شر يابو حميد وش فيه جاركم ؟؟ ))

قال محمد والألم يتضح في نبرة صوته (( جارنا اليوم جاب لنا الشرطه ووقعونا على تعهد ,, تدري وش السبب ؟؟ لأننا نوقف سياراتنا قدام باب بيته ؟؟ ))

تبسم الجميع با أستثناء صديقنا سعود الذي اطلق ضحكه قويه قبل أن يقول (( هههههههههه شكلك تمزح يا محمد ,, مستحيل جاركم يشتكي عليكم عشان سبب تافه مثل هذا السبب ))

قال محمد الذي زادت وتيرة الغضب لديه (( شايفني أكذب عليك ,, تعرفوني زين ما أمزح بالأمور اللي مثل كذا ,, جارنا الله يهديه عنده سيارتين وحده له والثانيه لولده ,, وحنا عندنا خمس سيارات والسادسه موقفينها في الكراج لأنه خربانه ,, ومثل ما انتم عارفين قدام بيتنا ما نقدر نوقف اكثر من ثلاث سيارات ونضطر نوقف احد السيارات بجنب بيت جارنا اللي على يميننا والسيارة الثانيه نوقفها بالقرب من بيت جارنا اللي على يسارنا ))

قلت حينها وما زالت الدهشة رفيقة تعابير محياي (( طيب وين الجيره ووين الحب والاحترام اللي بين الجيران ,, معقول يروح كذا يبلغ الشرطه بدون ما يعطيم خبر ؟؟ ))

رد محمد علي وقال (( للأمانه جارنا ما راح بلغ الشرطه على طول ,, قبل كم يوم بنشر احد كفرات سيارة أخوي ,, وحنا ما توقعنا أن اللي سواها جارنا ,, ولكن بعدها بيومين مسكته مسك اليد وهو يحاول ينسم احد كفرات سيارتي ,, ولما وقفته وتكلمت معاه ,, كان معصب ومنرفز وهددني أذا شاف احد سياراتنا قريب من باب بيته مره ثانيه راح يبلغ الشرطه ,, وعطاني خبر بالمسافه اللي تفصل بين بيتنا وبيته واللي بعدها راح يبلغ الشرطه في حال تجاوزنا للحد اللي أشار عليه ,, أنا ما توقعته أنه جاد ,, وما علمت أحد من العائله باللي صار ,, ولكن اليوم تفاجأت بالشرطه تدق الباب وهو معاهم ,, وأخذوا أبوي معاهم للمركز ووقعوه على تعهد أننا ما نوقف قدام بيته مره ثانيه حتى لو كانوا مسافرين ))

بعد أنتهاء محمد من كلامه شعرت بالحنقه والغضب أكثر من محمد ,, خصوصاً أنني تذكرت موقف حدث لي قبل سنوات في مملكة الأردن الشقيقه ,, وأخبرت زملائي بذلك الموقف وسوف أخبركم به الآن .

قبل عشر سنوات تقريباُ وعندما كنت أقضي أحد الأجازات الصيفيه في أحدى المناطق الشعبيه في الأردن والتي يوجد لنا فيها معارف واصدقاء واقارب ,, في أحد الأيام كنت أشاهد فيلم في بيت صديق لي سعودي تملك عائلته بيتاُ في الأردن وفي نفس تلك المنطقه التي كنت متواجداُ فيها .

كنت في مجلس ذلك البيت برفقة صديقي صاحب المنزل وأحد الشباب الأردنيين أبناء الحي .
أثناء أندماجنا مع الفيلم تفاجأنا با انقطاع الكهرباء عن المنزل بالكامل ,, وأصبح الجو في ذلك المنزل معتم للغايه ولا تكاد ترى شيئاً .
بصعوبه بالغه أستطعنا الخروج من ذلك المنزل ,, وتواجدنا في الشارع الشبه مظلم .

أغلب منازل ذلك الحي قطع عنها التيار الكهربائي ماعادا منزل كان بالقرب من المنزل الذي كنا متواجدين فيه كان يشع النور من داخل وخارج ذلك المنزل ,, وكان على ما يبدو أن مناسبة ما ستقام أمام ذلك المنزل لأن الكراسي والطاولات كانت متواجده في الفناء المقابل لذلك المنزل .

سألت صديقنا الأردني : ودي أعرف ليه كل الأنوار طفت على اغلب بيوت الحي ما عادا هذاك البيت اللي بوسط الحاره ؟؟

قال صديقنا الأردني وكان جوابه صدمه بالنسبه لي ولصديقي السعودي : هاظ الدار المنور دار جارنا أبو حسين وعندهم زواج ولدهم حسين يوم الجمعه الجاي ,, ومن اليوم راح تبلش الأحتفالات في دارهم والى يوم الخميس الجاي .

قال صديقي السعودي مستغرباً وسئل نفس السؤال الذي كان مطروحاً على لساني : طيب وش دخل أبو حسين وزواج ولده حسين بموضوع ان الكهرباء طفت على اغلب بيوت الحاره ؟؟

قال الشاب الأردني : ما تستعجل يازلمه ,, افهم شو بدي اقولك ,, هاظ يا سيدي الكهرباء عندنا ضعيفه في الحاره ,, ولما يكون فيه عرس عند احد الجيران لازم يجيبوا سماعات للفرقه اللي بدها تحيي السهره ولازم يجيبوا كشافات ينوروا الساحه اللي قدام دار صاحب العرس ,, وطبعاُ السماعات والكشافات بدها كهرباء عاليه ,, ولازم يسحبوا كهرباء من الحاره عشان الكهرباء تستحمل ويقدروا يشغلوا السماعات وكشافات الأنوار .

قلت حينها : يعني تبي تقنعني أن كل أهالي الحاره موافقين أن أن جارهم أبو حسين يسحب الكهرباء من عندهم عشان زواج ابنه حسين ؟؟ ياخي عمره ما تزوج ,, أجل هو يتزوج واهل الحاره يقعدوا بالظلام في بيوتهم ؟؟

ضحك صديقي الأردني على كلماتي وقال : واللي مسويه العريس حسين واهله لمين ؟؟ أكيد مسويه لأهل الحاره عشان ييجوا عنده للدار ويفرحوا بزواجه ,, وبعدين اهل الحاره كلهم تلقاهم الحين موجودين في العرس .

لم أفهم أنا وصديقي السعودي تلك الكلمات أو بالأصح حاولنا عدم تفهمها لأنها على ما تبدو جارحه للوضع الذي اعتدنا عليه في بلادنا .

رغم حنقنا وغضبنا على ماحدث ,, أرغمنا على الذهاب لذلك المكان المشع بالنور ,, أرغمنا على الذهاب لحضور احتفالات زواج حسين ولد ابو حسين .

عند وصولنا لتلك الساحه المليئه بالكراسي والتي يتواجد فيها جميع صغار وكبار الحي ,, نسوة ورجالاُ واطفالاُ ,, تم أستقبالنا من أخ العريس وابناء عمومته بحراراه وسعاده بالغه ,, بعد السلام لزمت مع صديقي السعودي والأردني الكراسي .

بعد جلوسنا بلحظات تم تقديم واجب الضيافه لنا من تمر وقهوه وشاي , ومع جمال طعم ومذاق القهوه والشاي وصوت أغاني الدبكه ومنظر الشباب الذين (يدبكون )) بكل سعاده وحماس ,, بعد كل ما تم ذكره تغير مزاجي ومزاج صديقي السعودي للأفضل ,, وبدأنا بالأستمتاع وعيش اللحظات الجميله مع الجميع ,, وتحولت نظرات الأستحقار التي تطل من نافذة أعيننا الى نظرات أعجاب وسعاده .

ما هي الا لحظات حتى بدأت الساحه بالأمتلاء ,, وكنت أرى النساء يتوجهن الى داخل منزل أبو حسين ويدا كل واحده من تلك النسوه لا تخلو من طبق حلى أو أكله شعبيه أو قهوه وشاي .

الغريب في الأمر أن أمر الحاجيات التي بيدي النسوه لا يقتصر عليهن وحسب ,, بل رأيت بأم عيني الجميلتين العديد من رجال وشباب الحي يحملون بين أيديهم عدة أمور مثل : شاي ,, سكر ,, كاسات لشرب الشاي ,, اكواب ,, عصائر ,, أكياس فيها أرز ,, وبعضهم أحضر معه أعزكم الله (( خروف ))

سألت صديقنا الأردني عن الذي تراه عيني ولم تستطيع فهمه ,, فأخبرني بأن هذا الأمر طبيعي ,, لأنهم يقومون بمساعدة جارهم والذي هو با أمس الحاجه لمساعدتهم في مثل تلك المناسبات .

قال صديقي السعودي حينها : طيب دام ما عندهم فلوس يشترون فيها شاي وسكر وحتى العصير والرز ليه يزوجون ولدهم من أساسه ؟؟

ضحك صديقنا الأردني وقال : أنتا شو مفكر ؟؟ أنت تفكر أن جارنا أبو حسين غلبان وما معاه حق شوالات السكر والقمح ؟؟ الحمدلله الخير كثير عنده وعند باقي اهالي الحاره ,, ولكن بعض الناس تحب تساعد جيرانها بحياات الله شيء << يعني أي شيء ,, حتى لو كان شوال سكر والا شوال قمح ,, الدعوه يا صاحبي مساعدة مو أحتياج وشحاته مثل ما تظن .

كان سؤالي الأخير لذلك الشاب الأردني الريفي الذي كان سعيداُ وهو يجاوب على أستفساراتنا وأسألتنا ,, كان فحوى ذلك السؤال هو : كم ليله في العاده تستمر الأحتفالات قبل يوم الزواج ؟؟

فاا أجابني بأنها تستمر عادة ما بين أربعة الى خمسة ليالي .

كان سؤال صديقي السعودي الأخير هو عن كيفية أستحمالهم للعيش مدة أربع ليالي بدون كهرباء في منازلهم ؟؟

فكان جواب صديقنا الأردني غير مفهوم لنا عندما قال : شوو يا زلمه باين أن ما عندكم صبر بالمرره ,, حنا لما بنوقف مع جارنا بزواج أبنه هالسنه أكيد أنه راح يوقف معانا السنه الجايه بزواجي او زواج أحد من أخواني ,, ونفس الشيء ينطبق على اهالي كل الحاره ,, وصدقني حنا مبسوطين على هالوضع ونستنى متى تيجي الصيفيه عشان ننبسط ونساعد جيراننا ونجلس معاهم بالساعات .

أتذكر أن آخر كلماتي في ذلك المساء كانت عباره عن تهكمي في صديقي السعودي عندما قلت له : الله يهدي أبوك مالقى يشتري بيت الا في هالمنطقه ,, ليه ما اشترى بيت في حي راقي كان افتكيتوا من هالغثى وهالمجاملات اللي مالها داعي ,, الله يعينك ياصاحب راح يوم وباقي على عرسهم ثلاث ايام بعد ,, والكهرباء راح تطفي عليكم من بعد مغيب الشمس مباشرة ,, أما بالنسبه لي أنا كلها يومين بالكثير وطالع لسوريا مع اهلي وبخلي لك الأردن وهياط شعبها .

بعد عودتي أنا وعائلتي من دول الشام ذلك العام ,, قمنا بتغير منزلنا لمنزل آخر .

كانت الأجواء جداُ طبيعيه جداُ في ذلك الحي ومشابهه الى حد كبير نفس الأجواء في حينا القديم با أستثناء شيء جديد أستغربت منه كثيراُ ,, الا وهو قيام أحد نسوة الحي وجارتنا تحديداُ با أرسال أحد ابنائها الصغار ليلاً يطلب مننا (( الخبز ))

أنا لم أصدق ما سمعته أذناي ذلك المساء ,, كيف يريد ذلك الطفل خبزاُ وأمور عائلته الماديه على خير ما يرام ,, وليست عائلته فقيره أو لا تملك ثمن أرغفة الخبز .

عندما لاحظت الجديه تكتسح ملامح ذلك الطفل وكأنه اعتاد على ذلك الأمر ,, طلبت منه الذهاب الى داخل منزلنا واخبار والدتي بالذي يريده .

بعد دخول ذلك الطفل الى منزلنا ,, وبعد وصولنا الى الصالة التي يجتمع فيها أفراد عائلتنا ,, تحدث ذلك الطفل بثقه عن الأمر الذي بعث من قبل والدته لأجله .

اطلقت ضحكه مدويه حينها ظناٌ مني بإن الأمر سيكون مضحكاُ لوالدتي كذلك ,, ولكن أوقفت تلك الضحكات نظرة والدتي الغاضبه لي ,, والتي قامت بدورها بالذهاب الى المطبخ وإعطاء ذلك الطفل كيساُ من الخبز ,, وأوصته بتبليغ تحياتها لوالدته .

لا أنسى توبيخ والدتي لي بعد ذهاب الطفل الى منزله ,, والى الآن لم انسى كلماتها المؤثره مفادها أن الجار للجار لو جار ,, وبأن هذا الأمر كان طبيعي جداُ في زمنهم ,, ولكنه أختفى في السنوات الأخيره ,, وبأن الذي ليس فيه نفع لجاره ليس فيه نفع لباقي الناس ولا حتى وطنه .

بعد تلك الكلمات المؤثره أصبح أمر قدوم أبناء احد الجيران بحثاُ عن الطماطم أو البصل أو الخبز أمراُ طبيعياُ حتى لو كان الوقت متأخراُ قليلاُ .

بعد ما حدث مع أبن جارنا الصغير بشهور أفقت من نومي في وقت متأخر من الليل ,, وفي ذلك الوقت كانت سوبرماركت الحي قد أغلقت بسبب أنظمة المنطقه العسكريه السكنيه التي كنا نقطنها .

بحثت عن ما أسد به رمقي ووجدت كل شيء الا الخبز ,, عندما شكيت لوالدتي الحال ,, أبتسمت ثم قالت لي (( أبوك نايم ومستحيل أني أصحيه الحين عشان يروح برى المنطقه العسكريه ويجيب لك رغيفين خبز ,, اذا كنت جوعان صدق ,, مالك الا تروح تطلب من جيراننا وأكيد تلقى عيالهم سهرانين مثلك بما أننا في وقت أجازه ,, أطلب منهم رغيفين خبز وما راح يقصرون معاك ))

رفضت في البدايه ذلك الأمر فكرة ومضموناُ ,, ولكن بعد أن اشتد علي الجوع لم أجد نفسي الا وأنا واقف أمام منزل جارنا ,, وأبن جارنا الطفل الصغير يبتسم بشماته ويقول (( أمسك يا عقيل كيس الخبز ))

مثل ما اخبرتكم به في الاعلى أخبرت به زملائي وصديقي محمد ,, صديقي محمد الذي تغيرت تعابير وجهه بعد حديثي وكلامي وقال : حنا وقفنا سياراتنا عند باب بيته وراح اشتكى للشرطه ,, أجل لو طلبنا من عندهم بصل وطماط الظاهر أنه راح يشتكينا لجمعية حقوق الأنسان


يا جماعة الخير ليس عقيل الرافع من يخبركم بحقوق الجار على جاره ,, وليس هو أيضاً من يجبركم على معاملة جيرانكم معامله حسنه .
ولكن عقيل يود في هذا الموضوع شحذ المشاعر الطيبه والنبيله في أفئدتكم لنصبح مثل أخواننا وإشقائنا الأردنيين والسوريين الذين من قوة صلتهم بجيرانهم يجعلونك تعتقد أنهم (( قاطين مع بعض في البيوت))

والله شفت في الأردن وسوريا ما يدعو للفخر والسعاده بإن ما زال هنالك من ينفذ ويقتدي با اوامر القرآن الكريم ,, واحاديث خير الأنام رسولنا عليه الصلاة والسلام .

وحنا هنا في بلدنا كأننا أجانب وكأننا لم نقرأ أحاديث تجبرنا على المعامله الحسنه للجار ,, ولا كأننا تمعنا في المصحف عن حقوق الجار .

يعلم الله أنني أكون سعيداُ جداُ عندما أرى نسوة الحي يقبلن على منزلنا قاصدين زيارة والدتي ,, ونفس الأمر بالنسبة لوالدي عندما يستضيف في منزلنا بعض جيراننا الطيبيين .

لا أعلم من المسؤول عن التغير الحاصل في هذا الجيل تجاه الجيران ,, لدرجة أنني صدمت من أشخاص لا يسرهم وصل جيرانهم ويودون ويتمنون العيش بدون وصل الجيران او حتى رؤيتهم .

يا جيراننا نحبكم والله لا يغير علينا ,, وأعتذر بأسم أبناء جيلي الذين يطالهم تفصير مثلي تجاه جيرانهم ,, وأوعدكم أنني سوف أحاول جاهداُ لوصلكم والألتقاء بكم وطرق أبواب منازلكم بحثاُ عن الجلوس معكم أو حتى للبحث عن الخبز أو الطماطم لديكم .


قال الله تعالى : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ )

عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ))

عن أبي هريرة رضي اله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن )) ! قيل : من يا رسول الله ؟ قال : (( الذي لا يأمن جاره بوائقه !))








هنا ينتهي موضوعي الأسبوعي

وفي الختام أوجه شكري لكل الذين سألوا عني في هذا المنتدى وفي القروبات التي تنشر مواضيع سلسلتي خلال غيابي الأسبوع الماضي بسبب أنقطاع الأنترنت عن منزلنا بعد عطل في كابينة الهاتف الخارجية .

للأمانه كان الصداع ينخل في رأسي هذا المساء وأعاقني عن كتابة هذا الموضوع مبكراُ ,, وكنت أفكر كثيراُ بعدم الكتابه هذا الأسبوع ولكن بعد تذكري بالأشخاص الذين بكوا في غيابي خشية من تعرضي لمكروه ما ,, قررت الكتابه لأجلهم حتى لو كان الصداع سوف يجعلني أكتب هذا الموضوع بالشكل المطلوب .
شكراُ للجميع وأخص بالشكر في هذا المنتدى صديقي واخي خوي نفسه الذي بعث مستفسراُ عن غيابي ولم يحرمني من دعواته .


موعدنا الجمعه القادمه بأذن الله .


الاثنين، 11 أبريل 2011

(( أنا فاشل ولا أصلح لشيء ))

(( أنا فاشل ولا أصلح لشيء ))


الموضوع السادس في سلسلة صوت الضمير


ملاحظة (( جميع قصائد صقر وحطاطه من تأليفي ))



في مجلس ذلك المنزل المتهالك ,, في ذلك الحي الشعبي ,, يتواجد ثلاثة أشخاص في ذلك المجلس ,, صديقنا حطاطه ووالده سليمان ,, وجارهم محماس المعروف ب أبو صقر .
كالعادة كان سليمان والد حطاطه يتفاخر ب ابنه وبأنه شاب موهوب ولديه من الذكاء والحنكة والإبداع الأدبي ما يكفي لسد رمق جيل كامل يخلو من من الشعراء والكتاب .
قال سليمان لجاره أبو صقر : الولد هذا ما شاء الله عليه ذكي وفطين مثل أبوه ,, خله يقول لك وش سوا قبل كم يوم في مدرس مادة الأحياء عشان يعيد له الاختبار لأنه غاب يوم الاختبار وما عنده عذر طبي يشفع له أن يعيد الاختبار ,, يالله يا حطاطه علم عمك سليمان وش سويت .
حطاطه : أنا يا عمي ما دريت عن اختبار الأحياء إلا صباح يوم الاختبار وأنا رايح للمدرسة مع ولدك صقر ,, وفكرت أني أغيب عشان ما اختبر أحياء ,, وفعلاُ غبت وما رحت للمدرسة ,, وثاني يوم رحت للمدرسة وسويت نفسي حزين وكلمت مدرس المادة عشان يعيد لي الاختبار ,, ولما سألني عن سبب غيابي قلت له أن جدتي توفت وكان عندنا عزاء وما قدرت أذاكر ولا أحضر للمدرسة ,, وأنت تدري يا عمي أن جدتي توفت من سنتين الله يرحمها .
محماس ( مندهشاً ) : ما شاء الله عليك ,, والله أنك ذهين يا حطاطه ,, يا ليت ولدي عصفور << يطلق على ابنه صقر لقب عصفور )) ياليت عنده ربع هالفطانه والذكاء اللي عندك .

سليمان : ومو بس كذا يابو صقر ,, حطاطه كتب قصيدة قبل كم يوم وأبدع فيها مثل عادته ما شاء الله عليه ,, يالله يا حطاطه سمع عمك محماس اخر قصايدك .
حطاطه : أخر قصيدة قلت فيها :
جيت أبنام وماقدرت أنام *** ذبحني الحر والغبار والنامس
ليتنا نسكن قصر بدال هالدرام *** وهوا المكيف مع جبيني يتهامس
ليت عندنا جيب موديل هالعام *** وأعطيه نمره من واحد لخامس
قلت ياربي ارزقني بالانعام *** وخل الملايين بيدين ابوي تلامس
وسلامتكم


تصفيق حار يملئ أرجاء ذلك المجلس ,, قاطع ذلك التصفيق حديث محماس ابو صقر عندما قال : ما شاء الله عليك يا حطاطه والله أنك شاعر كبير وكلماتك ومفرداتك قوويه ,, ودي أعرف ليه ربي ما رزق ولدي العصفور بربع اللي عندك من مواهب .

قال حطاطه : والله يا عمي محماس ولدك صقر أفضل مني بالشعر وأنا أحب أسمع له وأقرأ له ,, أنت عمرك سمعت احد قصايد ولدك ؟؟

محماس : يخسا يكون ولدي العصفور أحسن منك ,, دايم يجي يقولي أنه كاتب قصايد وأنا أطرده وما أخليه يقولي ولا بيت واحد ,, ولدي رخمه وأنا أعرفه زين وما عنده ما عندي جدتي .

حطاطه (( ملتفتاُ للخلف ب اتجاه أحد المساند في ذلك المجلس )) : يا صقر تعال قرب هنا وسمعنا بعض قصائدك .

عذراُ أعزائي القراء ,, لقد ظننت أنه يوجد ثلاثة أشخاص في ذلك المجلس ,, لأنني لم ألحظ وجود ذلك الشاب القابع في أحد أركان ذلك المجلس وظننت أنه من ضمن مساند وأثاث ذلك المجلس .

أقترب صقر بهدوء نحو والده وجارهم سليمان وأبنه حطاطه ,, ثم باغته أبو سليمان بقوله : أنت شاعر يا صقر ؟؟ سمعنا اللي عندك خلنا نحكم من أفضل أنت وألا حطاطه ؟؟

قال صقر بصوت متردد وخافت بالكاد يسمع : نعم يا عمي أنا أكتب الشعر بجميع أنواعه ,, النبطي والفصحى وأكتب بعد خواطر .
قال سليمان عندها : ما شاء الله ,, يالله سمعنا خلنا نشوف وش عندك :

قال صقر :
ياللي حبك شابه أحساس الضرير *** صادراُ من قلب صادق محتواه
ودي يا الرحال تعرف وش يصير *** وسط قلبي قبل لا تغادر سماه
أسمع أول قصة الطفل الصغير *** وبعدها أحكم وسو اللي تراه
وحدته والجو تتشابه كثير *** حيل برد ولا لقى حد يحماه
راح لأمه نيته يحرك ضمير *** عايشً فيها ولا مره طراه
قال دفيني من البرد المرير *** وأحضنيني كني طفلً منك تاه
تاه منك قبل لا يعرف المسير *** وعقب تسع سنين إحساسك لقاه
أو كأني مغترب وإلا أسير *** راجع وبقضي معاك باقي الحياه
حضنتني وكان هالمشهد مثير *** بس ما حسيت في طعمه وحلاه
جاملتني روحها ويا الضمير *** وعقلي المحتار يسأل وش خطاه

عندها قاطع محماس أبنه صقر بصوت عالي ونبرة غاضبه قائلاُ : أسكت أسكت فضحتنا الله يفضحك ,, هذي قصيدة تقولها بالله ؟؟ كاتب قصيدة غزل وحب ,, ليه أنت تحب ؟؟ ومن هالبنت الغبية اللي تفكر تحبك ؟؟

عاد صقر حينها أدراجه إلى ركن ذلك المجلس والدمعة تطل من نافذة عينه بسبب ما قاله له والده أمام جارهم سليمان وصديقه حطاطه الذي قال مبتسماً : أيوه يا عمي محماس ولدك يحب نوف بنت جاركم سطام ,, ودايم يكتب لها قصايد (( ثم غمز بخبث تجاه صديقه صقر )) .
محماس : أخس يا التيس الأجرب والله وعرفت تختار ,, ما اخترت إلا نوف أزين بنات الحارة ,, ليه ما تحب صجة الملقوفة بنت أبو سالم الأحول ؟؟ تراكم تصلحون لبعض ,, كلكم أشين وأردى من بعض .
قاطعه حينها سليمان قائلاً <<< لا يابو صقر زعلتني منك والله ,, ليه تحطم ولدك هالمبدع ,, ما شاء الله عليه معروف في الحاره بالأخلاق الزينة والكل يمدحه , حتى بالمدرسة ممتاز ومن ضمن المتفوقين دايم ,, لازم تعامله بنفس ما أعامل ولدي حطاطه ,, لازم ننمي موهبة عيالنا ونشجعهم على الاستمرار في المجال اللي هم يحبونه ويرغبون فيه .
كان رد محماس قبل أن يغادر ذلك المجلس برفقة أبنه الصقر الكسير : والله ولدي هذا يبقى رخمه وما يعجبني لو وش يسوي ,, هو فاشل في كل شيء الا بالدراسة ,, والله يعوضني باللي أحسن منه ,, يالله أستأذنكم ,, ونشوفكم على خير ,, وسيروا علينا يا جيراننا ترى زيارتكم تسعدنا .


تمر الأيام والسنين ويتغير كل شيء في جميع منازل ذلك الحي الشعبي ,, إلا شيء واحد فقط ,, الا وهو ألمعامله السيئة من قبل محماس تجاه ابنه الحزين , المنكسر ,, الخجول , الانطوائي صقر .

بعد ما يقارب عشر سنوات على ما حدث في منزل والد سليمان ,, وبعد تجاوز حطاطه وصديقه حاجز الخمس والعشرون سنة ,, كان حطاطه يحاول أقناع صديق الطفولة صقر ب أن يقوم بالمشاركة والتسجيل في البرنامج المشهور (( شاعر المليون )) ورفض صقر جميع تلك المحاولات والتوسلات وقال صقر حينها : أنا يا حطاطه فاشل وما راح أنجح في البرنامج هذا ,, وأبوي لو يدري أني شاركت وفشلت راح يتمسخر فيني بزيادة ,, وراح يتكلم في هالموضوع قدام الكل ,, أنا أكتب قصايدي لي لنفسي ,, وما أحب أحد يشاركني فيها لأن أغلب أصدقائي وأقاربي يقولون لي ياليت تعتق الشعر بحال سبيله ,, لأني أعتبر نفسي كارثة ومصيبة حلت على الشعر .

بعد محاولات مضنيه وتوسلات كثيرة من حطاطه لإقناع صقر ,, نجح حطاطه في أخذ موافقة صديقه صقر ,, وقرروا الذهاب والاشتراك في البرنامج والذي تبلغ الجائزة الأولى فيه قرابة الخمس ملايين ريال سعودي .

وقف حطاطه أمام اللجنة المكونة من (( حمد السعيد ,, بدر صفوق ,, والدكتور غسان )) وقال هذه القصيدة :
مرحوم يا بريعصي توفى البارحة *** أنصفق بنعال واحد نذل بعدين مات
كان أول زعيم الحارة وماسك الساحة *** واليوم حطوه في سلة مهملات
كان ناوي عليه القط والطيور الجارحة ,, ويعجزوا عنه لأنه سريع الإفلات
كان ناوي يروح البيت ويفرش الطراحه *** وبقراء مجلة فواصل وبفراشه يبات
كان ناوي يصير مليونير ويسوي ناطحه **** وبجنبها يبني أراضي فيها مخططات
الله يهدي ذاك النذل ويسامحه *** قتل أم البريعصي بعد ولدها بثانيات


ضجت تلك القاعة التي تتواجد فيها اللجنة ب أصوات الضحك والقهقهة ,, في الوقت الذي كان فيه حطاطه مندهشاً من ردة فعل اللجنة ,, لأنه توقع أن يملئ صوت التصفيق أرجاء تلك القاعة .

رفضت اللجنة استمرار وجود حطاطه في المراحل التالية من البرنامج ,, واعتذرت لحطاطه على ذلك ,, وخرج حطاطه من القاعة وهو محطم الفؤاد وحزين وغير مصدق لما حدث .



كان صقر هو المتسابق التالي بعد حطاطه مباشرة ,, كان التردد ملحوظ في طريقة مشيته في تلك القاعة وجلوسه أمام اللجنة .
قال صقر هذه القصيدة :
أقبلت وسط الزحام كن محدن حولها ,,, كنها مهره أصيلة تمشي برقة وهون
الطــــــول عز وزاد عز بطـــولها ,,, والعين حــق إلا على ذيك العيون

لم يكمل صقر البيت الثالث لإن حمد السعيد أحد أعضاء اللجنة أنفجر ضاحكاُ بدون سبب ,, عندها قرر صقر الانسحاب لأنه كان يعتقد أن حمد السعيد كان يضحك على قصيدته ,, وخرج من القاعة رغم توسلات أعضاء اللجنة ب استمراره لأنه يحمل إبداعا شعرياُ رغم صغر سنه حسب رؤية الدكتور غسان .

بعد خروج صقر من القاعة ,, قام الدكتور غسان بمعاتبة حمد السعيد على ضحكه بدون سبب أمام صقر ,, علل حمد السعيد حينها بإن سبب ضحكته المفاجئ لإنه تذكر قصيدة (( البريعصي )) للمتسابق حطاطه بن سليمان .

لم يتمالك الدكتور غسان وكذلك بدر صفوق أنفسهم وقاموا بالضحك عندما تذكروا حطاطه وقصيدته .

في نفس الوقت كان صقر يقف عند باب اللجنة من الخارج ويفكر بالرجوع لا إكمال قصيدته ,, ولكنه عندما سمع صوت الضحك الجماعي من جميع أعضاء اللجنة قرر أكمال طريقه للخارج وعدم الرجوع مهما كلف الأمر .

في خارج مبنى شاعر المليون كان يتواجد حطاطه وبجانبه صديقه المكسور جداُ والحزين الى درجة الرغبة في البكاء صقر .

تفاجأ حطاطه من الذي سمعه من صديقه صقر وما حدث له ,, قرر حينها حطاطه محاولاُ استدراك الموقف وكسب انكسار معنويات صقر ووصوله إلى أقصى مراحل الانهزام , و قبيل انتهاء ذلك اليوم لأنه اليوم الأخير لاستقبال طلبات من يودون المشاركة في البرنامج وقال مخاطباُ صقر (( يا صقر وش رأيك تبيعني دفتر قصايدك اللي معاك ؟؟))
كان صقر مستغرباُ لما يسمعه وقال (( قصدك دفتر قصايدي هذا ؟؟ أكيييد تمزح صح ؟؟ ))
حطاطه : ايوه دفتر القصايد هذا ,, ما أمزح وأتكلم من جدي ,, قلي بكم تبيعه لي ؟؟
قال صقر وهو يضحك رغم ما يحتويه فؤاده من حزن : خلاص أنا موافق يا حطاطه ,, وأبي ابيعه لك مقابل جوالك الأيفون اللي معاك ,, لأن نفسي فيه من زمان ,, وإذا حسيت أن جوالك أغلى من قصايدي ما عندي مشكله أعطيك 500 ريال فوق دفتر القصايد مقابل الايفون ؟؟
قال حطاطه والسعادة تملئ محياه : تم تم تم ,, موافق موافق موافق ,,, تفضل هذا الأيفون وما أبي منك فلوس ,, ولكن قبل كل شيء خلني أكتب ورقة مبايعه على اللي صار .

قام عندها حطاطه بكتابة هذه الأسطر (( أوافق أنا المدعو صقر بن محماس آل نجر على بيع جميع قصائدي الشعرية للشاعر والمثقف والأديب حطاطه بن سليمان المطفوق مقابل جوال ايفون 4 ,, وعليه أوقع ))

وبعد توقيع صقر على ورقة تلك المبايعة ,, قام حطاطه بالاتصال ب أثنين من أقاربه للشهود على تلك ألبيعه وتسجيل أسمائهم في أسفل صفحة المبايعة ,, وأسفلها تواقيعهم الشخصية .

بعد انتهاء حطاطه من توثيق تلك المبايعة ,, عاد أدراجه لمبنى شاعر المليون ,, وحاول مراراُ وتكراراُ الدخول على اللجنة مرة أخرى ,, وأستطاع النجاح وتحقيق مراده .

أخبر حطاطه اللجنة أن مشاركته السابقة بقصيدة ( البريعصي ماهي الا مزحه ومداعبة للجنه ,, وأنه يخفي الكثير من القصائد الرائعه ,, ويتمنى أن يسمحوا له أن يلقي على مسامعهم أحد تلك القصائد .
ضحك أعضاء اللجنة كثيراُ على حطاطه ,, ووافقوا على سماع قصيدة أخرى منه ,, لأنهم كانوا يرجون ويبحثون عن فاصل آخر (( من الضحك والسخرية من قصائد حطاطه ))

ما هي إلا لحظات حتى تبدل كل شيء إلى النقيض تماماُ وذلك بعد بدء حطاطة ب إلقاء احد قصائد ذلك الدفتر الذي اشتراه من صديقه صقر .

ألا مبالاة تبدلت إلى تركيز تام ,, الأفواه التي كانت تظهر ما خلفها من أسنان بيضاء تبدلت إلى شفاه مطبقه ب إحكام ,, نظرات الاستهزاء تبدلت إلى نظرات أعجاب بتلك الكلمات القوية التي ينطقها حطاطه .
في النهاية وقف جميع أعضاء اللجنة احتراما وتبجيلاُ لحطاطه وأضيفوا كلمة (( اعتذارا لحطاطه )) إن شئتم .

تجاوز حطاطه تلك المرحلة ,, وأستطاع أن ينتقل للمرحلة التالية من البرنامج بكل امتياز وتقدير .
عندما علم صقر بما أخبره به حطاطه وبما حدث في القاعة أمام اللجنة ,, كان يضحك بصوت عالي وهو يمسك هاتفه الأيفون بحرص تام حتى لا يأخذه منه حطاطه .

قال صقر بعد سماعه لما اخبره به حطاطه : هههههههههه أجل تقول وقفوا كلهم وصفقوا لك ,, يا حليلك يا حطاطه دمك خفيف وتعرف تكذب وتتحايل على الناس ,, المهم يا حطاطه لا تقول لي رجع لي جوالي ,, أعذرني خلك قد كلامك ,, وأسمح لي ما راح أرجع لك الجوال لأني نقلت كل الارقام والاسماء في جوالي القديم لهذا الجوال ,, والله يعوضك خير بدفتر خرابيطي وكلامي الفاضي على قولة ابوي .

اكتفى حطاطه بالرد على صقر ب ابتسامة زرعت على محياه ,, ابتسامه كانت تدل على ثقته بأن القادم مذهل أكثر مع ذلك الدفتر الذي يتواجد فيه أرشيف مشاعر صديقه صقر .



بعد مرور قرابة الشهرين تواجد حطاطه أمام كاميرات القنوات الفضائية في أولى مراحل مسابقة شاعر المليون ,, وكان يشاهده مئات الألوف أو الملايين خلف الشاشات في المنازل ,, وكان من بين تلك الملايين صديقه المندهش والمذهول لما يراه صقر .

في تلك الليلة استطاع حطاطه نيل أعلى الدرجات والوصول للمرحلة الثانية ,, وسماع أجمل عبارات المديح والإطراء من اللجنة على قصيدته التي ألقاها ,, وفي نفس الوقت كان صقر المذهول والمتعجب يسمع أقسى العبارات من والده الذي كان يجلس بالقرب منه ,, وكان يصفق لقصائد حطاطه بعنف وحماس منقطع النظير في تارة ,, ويردد على مسامع ابنه صقر في تارة أخرى هذه الكلمات (( أنا ما قلت لك أنك رخمه من يومك صغير ,, أنت مو صقر أنت عصفور ,, ولا عصفور بدون ريش بعد ,, شوف صديقك الشاعر الكبير حطاطه رفع راس أبوه وأهله قدام العالم كلهم ,, وانت فاشل وما عندك سالفة ,, ولك وجه تجي تترجى فيني أسمع قصايدك وآخر كتاباتك السخيفة والمضحكة ,, أنت فاشل فاشل فاشل وما تصلح لشيء ,, وراح تبقى فاشل طول عمرك ))

لم ينبس صقر بحرف واحد ,, واكتفى بالذهاب بخطوات بائسة وحزينة نحو غرفته ,, والانعزال عن كلمات والده القاسية والجارحة ,, والبكاء بحرارة وبصمت على الذي يحدث له .

نعود الآن لحطاطه الذي كان يتخطى جميع مراحل ذلك البرنامج بنجاح منقطع النظير ,, وأستطاع في النهاية و بكل جدارة أن يفوز بجائزة البرنامج (( مبلغ خمس ملايين ريال + البيرق ))

عاد حطاطه إلى وطنه وتم أستقباله استقبال الملوك ,, حشود غفيره تجمهرت حوله في صالة القادمين من الخارج بعد وصوله بطائرة خاصة تكفل بها أحد رجال الأعمال ,, وكان من ضمن المستقبلين محماس والد صقر ,, الذي قام برفع حطاطه على كتفيه والسير به أمام الجميع والهتاف با اسم حطاطه .

وصل لحطاطه العديد من العروض من استوديوهات التسجيلات الصوتية وتقديمهم عروض مغرية وبالملايين لخطاطه أن يسجل البومات قصائده الصوتية لديهم ,, ونفس الأمر من المجلات ودور النشر .
تغير كل شيء في حياة حطاطه ,, ترك ذلك الحي الشعبي وأنتقل برفقة أهله للعيش في أحدى قصور إحدى الأحياء الفاخرة .

أصبح حطاطه من ضمن المشهورين في البلد ,, وأصبح أمر رؤيته على شاشة التلفاز أمر طبيعياُ جداُ .

دعونا نعود الآن لصديقنا العصفور أو صقر ,, الذي فاز بلقب أكثر شخص انطوائي في العالم ,, أصبح منعزلاُ وبشكل غير طبيعي ,, وأصبح رمزاُ للوحدة والابتعاد عن الناس .
لاحظ والد صقر ما يحدث في حياة أبنه ,, وقرر الالتفات لأبنه وما عرفة ما الذي جعله يصبح بهذا القدر المخيف من عدم الثقة والانطواء .
أجتمع محماس ب ابنه صقر ,, وحاول معرفة السبب الذي يعوده لهذا التغير الملحوظ في سلوكه ,, ولم يستطع الحصول على جواب من أبنه .
ولكن بعد إلحاح وشد وجذب تحدث حطاطه ,, وكسر حاجز الصمت ,, وأخبر والده بما حدث بينه وبين حطاطه بعد قيامه ببيع جميع قصائده لحطاطة .

جن جنون والد صقر لما سمعه من أبنه ,, وقام بمد يده على ابنه رغم أن أبنه أصبح رجلاٌ كبيراُ ,, ووبخه ب (( عقاله )) كما وبخه ب إلقاء اقسى العبارات وأشنعها على مسامع ابنه .

و أمر أبنه أن يقوم بتقديم شكوى للمحكمة العامة في اليوم التالي على حطاطه ,, وفي حال تقديم حطاطه ورقة المبايعة للمحكمة يقوم ابنه صقر ب إنكارها واتهام حطاطه بأنه زور تلك المبايعة ,, وعندها يصبح حطاطه متهماً بقضيتين .

لم يستطع صقر أن يرفض لوالده طلباُ خوفاُ من ردة فعله في حالة قيامه بذلك ,, وتوجه في صباح احد الأيام إلى المحكمة وقام برفع شكوى على حطاطه ,, واتهامه بسرقته لدفتر قصائده والمشاركة فيها في برنامج شاعر المليون .

قامت المحكمه ب استدعاء حطاطه ,, ومواجهته فيما نسب إليه من ادعاء من صقر .

تفاجأ حطاطه من الذي سمعه ومن تلك الادعاءات ألباطله ,, وقرر حينها مواجهة صديقه صقر ,, ولكنه لم يستطع ذلك لأن والد صقر أقفل جميع الطرق التي تؤدي إلى صقر ,, بدءُ من سحبه لهاتف صقر المحمول ,, وانتهاءُ بطرده لحطاطه ووالده من أمام باب المنزل مرات عدة .



في ذلك الصباح كان الموعد لإصدار الأحكام على حطاطه فيما نسب إليه , وفي قاعة المحاكمة تواجد حطاطه ووالده ,, ونفس الأمر لصقر ووالده .

قبل وصول القاضي بدقائق ,, كان حطاطه موجهاُ نظراته إلى صديقه صقر ,, الذي كان يختبئ من تلك النظرات خلف والده الغاضب والمتجهم وعابس المحيا .

لم يكن صقر يريد أن تقع عيناه على عينا صديقه حطاطه حتى لا ينكسر ويضعف ,, لأنه كان يحب حطاطه كثيراُ ولم يتمنى أن يقف هذا الموقف ضد حطاطه في احد الأيام .

قام حطاطه بتقديم ورقة المبايعة لقاضي المحكمة ,, الذي طلب بدوره من صقر أن يرى ورقة المبايعة ,, وعندها قام صقر ب إيعاز من والده بنفي تلك المبايعة وعدم علمه بها ,, وإن حطاطه قام بتزييف تلك المبايعة وتزوير توقيعه أيضاُ .
قام حطاطه بالطلب من صقر أن يحلف بالله العظيم على صحة ما يقول .

عندها طلب القاضي من صقر أن يقوم بحلف اليمين 50 مره على صحة ما يقول ,, وإذا فعل ذلك سوف يصدر حكم ب إعادة صقر لحطاطة (( مبلغ خمس ملايين ريال + البيرق )) بالإضافة إلى التشهير في حطاطة ,, و إيداع حطاطه السجن لمدة لا تقل عن خمسة سنوات .

تردد صقر في القيام بذلك الحلف ,, ولم يستطع وضع يده على ذلك المصحف الذي يقبع على طاولة القاضي .

طلب القاضي من صقر أما أن يقوم بالحلف ,, أو أن يقوم بالتنازل عن دعواه وشكواه على حطاطه .
لم يحرك صقر يده الساكنة,, لم يضعها على ذلك المصحف ,, ولم ينبس بحرف ,, وكان ينظر إلى الأرض بشكل محزن للغاية .

بلغت درجات الغضب أقصاها لدى والد صقر الذي قال بصوت عالي في تلك القاعة (( وش تنتظر ليه ما تحلف على صحة اللي تقوله ,, يالله أحلف وخلي حطاطه اللي ظلمك يأخذ جزاه وعقابه ,, ويرجع لنا حقوقنا ))

تلعثم صقر كثيراُ ,, وخرجت كلمات غير مفهومه من فاه ,, قبل أن يقول بصوت عالي وموجهاُ أنظاره لوالده (( أنا كذاب يا حضرة القاضي ,, أنا بعت لحطاطه كل قصايدي مقابل جوال أيفون ما تتجاوز قيمته ثلاث آلاف ريال ,, والسبب كله من أبوي اللي ظلمني وحطمني من صغري والى وقتنا الحالي ,, أعذرني يا أبوي ما راح أنفذ كلامك ,, وإذا أنت قدرت تخليني شخص بدون شخصيه وعديم الثقة في نفسه وفي الآخرين ما راح تقدر تخليني شخص كذاب و قذر ))

عندها غادر صقر تلك القاعة والدموع تتساقط على محياه ,, تاركاُ خلفه والداُ نادماُ على ما فعله في أبنه ,, ومعاهداُ نفسه أن يحاول أصلاح جميع الذي أفسده في حياة ابنه .

أصبح كل شيء يستحقه صقر ومن ضمن ملكياته عائداُ وملكاُ لصديقه السابق حطاطه بدءً من قصائده ,, ماله ,, وحتى الفتاة نوف التي أحبها وعشقها منذ الصغر أصبحت ملكاُ لصديقه حطاطه بعد أن تزوجها حطاطه مؤخراُ .

انتهت القصة ............





في النهاية لا يسعني سوى شكر والدي الذي دعم موهبتي في الكتابة منذ الصغر ,, وكان يحفزني ويشجعني على الكتابه منذ وصولي لسنواتي التسع الأولى .
والدي يا أعزائي القراء ليس ب أستاذ أو دكتور أو فيلسوف أو شاعر ,, والدي رجلُ لا يعرف القراءة والكتابة ,, وكان يطلب مني منذ الصغر أن أقوم بقراءة كتب كثيرة له أمثال (( كتاب الله الكريم ,, وقصة الزير سالم ,, وكتاب حياة كوكب الشرق أم كلثوم )) وكان يصحصح لي أخطائي النحوية عند قيامي بالقراءة له على الرغم من أنه رجل يجهل القراءة والكتابة .
كان يدعم موهبتي الشعرية وذلك بطلبه مني وب استمرار أن أقوم ب إلقاء آخر قصائدي الشعرية أمام أصدقاءه وفي جميع المناسبات والولائم .
وكان والدي أيضاُ يطلب منا ونحن صغار أنا وباقي أشقائي أن نقوم بتحفيظ والدتنا بعض سور القرآن الكريم والتي لا تعرف القراءة والكتابة هي الأخرى .
وكان يحضر لنا الكتب لكي نستفيد منها ونقرأها رغم أننا صغار ولا نعي أغلب الكلمات التي نقرأها ,, ومن خلال قراءتي لتلك الكتب مراراُ وتكرارا وأنا صغير السن تولدت لدي الهواية لكي أقوم بكتابة الشعر والخواطر والقصص الصغيرة .
كنت متميزاُ على نطاق المدرسة في الإذاعة المدرسية ,, لدرجة أنني كنت أقوم ب إلقاء لأذاعه بالنيابة عن أبناء صفي و لوحدي في بعض الأوقات .
وكنت متميزاُ على نطاق الحارة في جلسات تحفيظ القرآن الكريم ,, ولا أنسى ذلك اليوم عندما تم تكريمي أمام الجيران وسكان الحارة بالمركز الأول في جائزة الحفظ لمن هم دون الخامسة عشر .
لا أنسى تلك الساعة التي قدمها لي أمام المسجد ومدرسنا في التحفيظ (( خالد الجمعان )) المصنوعة من الجلد ويكتسيها اللون الأزرق .
كان لتلك الجائزة التي لا تتجاوز قيمتها الثلاثون ريال قيمة معنوية كبيرة لدي ,, واستطاعت أن تحفزني لبذل المزيد والاستمرار عند تطلعات الأهل والأصدقاء والجيران .
أدعموا أبنائكم وحفزوهم ليصبحوا مبدعين مستقبلاُ .
أبحثوا أعن المواهب التي يتميز بها أبنائكم ,, وحاولوا تنمية تلك المواهب .
أن لم يجد أبنائكم الدعم والتحفيز الكبير منكم ,, تأكدوا أنهم لن يجدوه في الخارج لدى الغرباء .
كم من المواهب اندثرت بسبب كلمات غير مشجعه ومحفزه , وبسبب كلمات قاسيه ومحبطه ,, و بسبب كلمات صادرة من أشخاص حقودين وحساد .

أزرعوا الثقة في روح أبنائكم ,, لأنه هذه الزراعة سوف تحصدون ثمارها مستقبلاُ بأذن الله .

أخشى والعياذ بالله أن يتم فهم كلماتي الأخيرة على أنها نوع من التلميع والمديح لنفسي ,, وأنا لم أكتب تلك المعلومات الخاصة في ألا لكي تستفيدوا وتعرفوا سراُ صغيراُ من أسرار جعل فلذات أكبادنا (( مبدعين ))




أستودعكم الله الذي لا تضيع له ودائع
وموعدنا الجمعه القادم بأذن الله